الاسلام دين عبادة وعمل

بسم الله الرحمن الرحيم.
يقول بعضهم أن زوال الحضارة الإسلامية، سببه مفارقة الطريق القويم. ونحن نتفق معهم على
زوال الحضارة الإسلامية، وكذلك على مفارقة الطريق القويم. ونسأل، ما الطريق القويم؟
إن قالوا، الصلاة، والصيام، والعبادة.
قلنا، ما زلنا نصلي، ونصوم، ونتعبد. ومساجدنا أجمل من مساجدهم. فرشناها بالموكيت، وزودناها بالميكرفون، والكهرباء، والمكيف. هل كان لهم كهرباء، وميكرفون، ومكيف؟
أما الصوم، فلا زلنا نصوم رمضان إيماناً واحتسابا، ونفطر على الراديو والتلفزيون، وبالأسودين الماء والتمر، ثم الدجاج البرازيلي، وتفاح كوستاريكا، والأرز البسمتي.
هل كان لهم تلفزيون، وتفاح كوستاريكي، وأرز بسمتي؟
وإن ذكّرونا بقوله تعالى ]وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدونإني جاعلٌ في الأرضِ خليفة w[
وإن قالوا: خلق الله الإنسان لعبادته فقط.
قلنا: لا.لا.. لعبادته وتعمير الأرض. من تمسك بإحداهن وأفلت الأخرى فقد خاب، ومن أمسك بهما معاً فقد فاز. من أغلق الدير عليه راهباً ونسي التعمير فهو عمدة الخائبين. ومن اشتغل بالتعمير ونسي العبادة، فهو للخائبين عمدة.
الحضارة الإسلامية التي نتباكى عليها، كان عنوانها "العبادة والتعمير". سلطةً وشعباً، فكراً وحياةً، قولاً وعملا.
الدولة أقامت مراكز البحوث، والدراسات، والمراصد، والمكتبات، والمعامل، وجلبت فكر من سبقوها في العلوم كافة وترجمته.
ورجال الدين أغلقوا الدير، وخرجوا عابدين عاملين معمرين. فعالم الفقه هو نفسه عالم الطب، وعالم الرياضيات هو عالم الحديث، وعالم التفسير موسيقار المدينة، وشاعرها عالم التجويد. فكان لعالمهم فرع في الدين، وفرع في العلم. ما ذُكر الدين إلا ذُكروا، ولا العلم إلا كان لهم القدح المعلى. أما الفنون والآداب، فهم أمها وأبوها. فنهضوا وخلدوا جميعاً. ديناً وعلما، أدباً وفنا. حتى الغواني والخمارين، وجحا وأشعب.
ثم خلفهم خلف، أقاموا العبادات وأغفلوا التعمير. رجال الدين عادوا إلى الدير. أغلقوا الباب عليهم. وقالوا، ما لله لله، وما لقيصر لقيصر. فاستشرى الفساد خارج الدير، وعلا الصياح والضجيج. فانزعجوا، وخرجوا على الناس بالهراوات. شجوا المغنيين، وزجروا الشعراء، وكفروا الدارسين والباحثين.
أما الدولة فأبقت على دور البحث والعلم تفادياً للحرج، وجعلت لرجال الدين عليها وعليهم سلطانا، وسلمتهم قيادها وقياد الأمة.
أنشأت كليات الفيزياء، والفلك، ودراسات الفضاء، ومصلحة الأرصاد، والمراصد، واستفتت الفقيه الأمي في الهلال. فظلل عينيه وحدق، وقال، وإن غمّ عليكم.
وأنشأت كليات الطب، والمعامل والمختبرات، ووزارة الصحة، واستفتت الفقيه في الاستنساخ وأنفلونزا الخنازير. فقال، يجوز للجائع أكل الاستنساخ، على ألا يكثر. أما الخنزير فحرام شرعاً. وما أسكر كثيره فقليله حرام.
وأنشأت كليات اللغات والألسن، ومعامل اللغات، واستفتت الفقيه في مخارج الحروف. فأدخل إصبعه في فمه، وكاد أن يشرق.
يقاطعه شافيز:
يا مولانا، استفتينا أحدهم. قلنا، ما قولكم يا شيخنا، في طالبِ علمٍ توضأ، وصلى في معمل الفيزياء؟.. قال، لعنه الله. الفيزياءُ ضربٌ من ضروبِ الفسوةِ، والفسوةُ تبطلُ الوضوء.
سألوا أحدهم في مسابقه.
قالوا: اذكر لنا ثلاثةً من الطيور.
قال: الجرادُ، وال.. الفا... الفارُ، والجاموسُ.
فلم يحصل على الجائزه.
قالوا: اذكر ثلاثةً من الزواحف.
قال: الحراثةُ، والأ.. الأرنبُ، والحكومةُ.
فظلموه. ولو كنت بينهم، لمنحته ثلث الجائزه الأخير.
يضحك مولانا ويواصل الحديث:
الدين هو العلم... والآداب، والفنون، والعلوم، فروعه... والسياسة، والاقتصاد، والثقافة، والاجتماع، فروع الفروع. نرفض فصل الدين عن الحياة. وما جدوى العلوم إن لم نوظفها لخدمة الدين؟.. ما جدوى علوم الزراعة إن لم توفر لنا الخضروات والفواكه والحبوب؟. وما جدوى البيطرة إن لم توفر لنا اللحوم؟. وما جدوى علوم الفلك والفضاء إن لم تخبرنا متى نصوم؟!
لألف عام ويزيد، ما سمعنا عالم التفسير يغني، وزجر المغنيين. ولم يقرض الشعر عالم السيرة، وأغلظ على الشعراء. ولم يحفظ عالم الحديث جدول الضرب، وكفر علماء الرياضيات.
ولألف عام ويزيد، لم نسمع بعالم التجويد الشاعر، ولا عالم الفقه الفلكي، ولا عالم التفسير الطبيب. فكان عصر الانحطاط.
إن قالوا، تقدموا وتحضروا لتمسكهم بالعبادات. قلنا: لا. لا.. تحضروا وتقدموا لتمسكهم بالعبادات والتعمير معاً.
وإن قالوا، تخلفنا لأننا أهملنا أمر العبادة. قلنا: لا. لا.. سقطنا لأننا تمسكنا بالعبادة، وأهملنا التعمير.
التعمير وحده طريق الفساد، والعبادة وحدها طريق الانحطاط.
من يريدونها علمانية، وهم كثر، ولكل منهم فيها ليلاه. من كانت ليلاه، إعادة رجال الدين إلى الدير رهباناً، وإغلاق الدير عليهم، لنفعل في الخارج ما نشاء، قلنا رافضون.
ومن يريدونها شريعة. وهم كثر، ولكلٍ منهم فيها ليلاه. من كانت ليلاه، خروج الرهبان من الدير بهراواتهم، إن غنينا ضربونا، وإن نظمنا زجرونا، وإن دخلنا المعامل باحثين دارسين كفرونا، وإن ابتكرنا واخترعنا اتهمونا بالبدع، قلنا رافضون.
نريد طريقاً بين ذلك قواما. العبادة في يد، وفي الأُخرى التعمير. نريد خروج رجال الدين من الدير بلا هراوات. نريدهم عابدين عاملين معمرين. نريد عالم الحديث الشاعر، وعالم الفقه الفلكي، والموسيقار عالم التفسير، فهم من أقاموا الحضارة الإسلامية الأُولى.
ونطمح في أكثر من ذلك. كان عالمهم عالما في فرع في الدين، وفرع في العلم. نريد أن يكون عالمنا، عالم في الدين كله، وعالم في فرع من فروع العلم. لنسمو فوقهم درجات.
نربد عالم الدين الطبيب، ورجل الدين الفيزيائي، ورجل الدين عالم الأحياء. وهو ما طرحناه في المؤتمر.
نريد وضع مناهج دينية للجامعات والدراسات العليا، تتضمن كل ما له علاقة بالطب، في فروع الدين المختلفة لدارس الطب. وكذا في الفيزياء، والزراعة، والبيطرة، والهندسة، وشتى العلوم، والآداب، والفنون.
نريده عالماً في الفقه، وفي الفقه عالم. نريده عالماً فقيها، أو فقيهاً عالماً. إن جئنا طبيب العيون وفينا رمد طببنا. وإن سألناه عن نعمة البصر، أجاب. وإن قلنا، مال عيون الغيد سودٌ كاحلات، لم يعجزه الجواب.
نريده عالماًً فقيهاً فضائياً. إن قلنا نريد سياحة فضائية، قال، لدينا رحلة بعد صلاة العشاء. صلوا وأقدموا. أصلحكم الله. لا يقول، جعلنا فيها شهابًا رصدا يا ملاعين. وإن سألناه عن الآفاق، أفتى. وإن قلنا، محيا حبيبنا قمر دورين، لم يكفرنا. بل رسم وخطط وحسب، ليرينا كيف كان ذاك.
الفساد تعمير بلا عبادة، والانحطاط عبادة بلا تعمير، والحضارة الإسلامية الأولى فرع في العلم وفرع في الدين. وحضارتنا التي ننشدها، الدين كله وفرع في العلم. لنسمو فوق أولئك درجات، ودرجات فوق هؤلاء.
" المتشعبطون دخولا.."